المقدمة:
هذه أول رواية كتبتها وانا في عمر ال 21 احداثها ليست حقيقية ولكن تتماشى مع الواقع المعاش في هذه الأيام، شخصيات هذه الرواية هي من نسج خيالي..
بائع المناديل الورقية:
هو طفل في العاشرة من عمره يتيم الأم والأب ولدته أمه وماتت بعد أن كانت مريضة بداء الصدر ووالده أيضا مات بنفس المرض قبل أمه فوجد نفسه بين ذراعي خالته التي كانت تعمل ببيع الشاي في الأسواق فتربي في الشوارع، كان يعمل منذ أن بلغ الخامسة من عمره كان هزيل الجسم مبعثر الشعر رث الثياب حافي القدمين ولكنه رغم كل هذه الظروف المحيطة به كان طيب القلب يحب فعل الخير ومساعدة الناس بدون مقابل مع أنه كان أحوج الناس إلى المال...
كان الأطفال في مثل سنه يلعبون ويمرحون ويستمتعون بطفولتهم بينما كان هو يعمل أعمالاً أكبر من سنه وطاقته، رغم انشغاله بالعمل إلا أنه كان في بعض الأحيان يتوقف ليشاهد الأطفال وهم يلعبون فيتوقف عن العمل فكانت خالته توبخه وتصفه بالكسول المتهرب من العمل إلا أنه كان يحبها رغم قسوتها فهو لم يعرف أماً سواها.. كان هناك رجل عجوز يتردد على خالته ويعطيها بعض المال وكان هو يراقب هذا المشهد من حين لآخر.
ذات يوم بلغ به فضوله إلى أن سأل خالته: "من هذا الرجل الذي يعطيك النقود من حين لآخر؟"
إلا أن خالته لم تكن تجيبه ولكنه كان يكرر أسئلته مراراً وتكراراً فضجرت منه خالته وقالت له:هذا هو العم رمضان"
فسألها "ومن يكون العم رمضان هذا"
فقالت: " إنه إمام المسجد"فقال: ماذا يعنى إمام المسجد هل هو بائع الخبز..!!فضحكت خالته وكانت قليلة الضحك " لا ليس بائع الخبز، إنه الشيخ الذي يصلي بالناس"فقال لها في دهشة أنا لم أذهب إلى المسجد من قبل.. لماذا ؟
فقالت له: ما زلت صغيراً للذهاب إلى المسجد" وكان في الخامسة من عمره. ومرت الأيام وعاد العم رمضان ليعطى الخالة النقود فلما رآه أسرع إليه وقال له:
"مرحباً يا عم رمضان" فقال العم رمضان: وعليكم السلام ورحمة الله..
ما إسمك يا بني، قال أسمي أحمد ولكن الآخرين ينادونني بريشة لأنني هزيل وخفيف الوزن"فضحك العم رمضان وسأله ماذا تفعل؟
فقال له أنا أعمل في السوق.فتعجب العم رمضان كيف يعمل طفل في مثل سنه..فسأل الخالة كيف يعمل وهو في هذا السن فقالت الخالة كما تعلم أنا أعمل ببيع الشاي وإبن أختي هذا يعمل معي يجمع الكؤوس بعد إنتهاء الناس من شرب الشاي و يغسلها لنملأها من جديد..فقال العم يا سبحان الله... فقال ريشة ماذا قلت يا عم رمضان فقال له قلت يا سبحان الله
فقال ريشة ماذا يعني هذا يا عم رمضان فقال له: أنت صغير على معرفة هذا يا أحمد
فسأله ريشة ماذا تعمل أنت، فقال له أنا أصلى بالناس في المسجد وأجمع الصدقات من الأغنياء وأوزعها على الفقراء فقال ريشة وما هي الصدقات يا عم رمضان فقال الصدقات هي أموال يخرجها الأغنياء وغير الأغنياء الذين يخافون الله فقال ريشة ومن هو الله يا عم رمضان فسكت عم رمضان برهة ثم قال له الله هو خالق كل شيء وهو الذي يحي ويميت ويهب الأرزاق.. فقال ريشة في تعجب وأين هو الله؟ فقال له إنه في السماء يا أحمد.. فقال له أنا أريد أن أراه..فقال العم رمضان ولكننا لا نراه هو الذي يرانا ويسمعنا..
فرفع ريشة رأسه إلى السماء وصاح يا الله إنى أحبك لأنك خلقتني ولأنك خلقت العم رمضان إنه رجل طيب وأنا أريد أن أكون مثله أجمع الصدقات من الأغنياء وأوزعها على الفقراء..
فقال له العم رمضان هل تحب الله يا أحمد؟ فأجاب نعم
فقال له إذا عليك أن تصلى ولا تكذب أو تسرق وأن لا تفعل ما حرم الله لكي تراه..فقال ريشة هل سأرى الله يا عم رمضان؟
فقال العم رمضان نعم إذا فعلت ما قلته لك..قال ريشة ولكن كيف..؟
قال العم رمضان: " المؤمنون يرون الله يوم القيامة بعد أن يدخلوا الجنة"
فقال ريشة وما هي الجنة يا عم رمضان؟
فأجاب: الجنة هي أجمل شيء في هذا الكون ولا يدخلها إلا المؤمنون..فقال ريشة أريد أن أكون من المؤمنين.. فالتفت العم رمضان إلى الخالة وقال لها سآخذ أحمد معي إلى المسجد. فقالت الخالة ولكن من سيساعدني في عملي..!!فقال لها العم رمضان سآخذه معي وسأعطيك مقابل هذا مبلغاً من المال لتستعينين به ففرحت الخالة وقالت له إذاً فلا مشكلة لدي..وقال العم رمضان لريشة هل تريد الذهاب معي فقال ريشة نعم يا عم رمضان..
فأخذه العم رمضان إلى المسجد وكان يحفظه القرآن ويعلمه الآداب والأخلاق الحميدة وكان ريشة يقوم بتنظيف المسجد ورعاية الأشجار بداخله حتى بلغ العاشرة من عمره..وذات يوم بعد أن عاد العم رمضان من جولاته التي كان يوزع فيها الصدقات كان وجهه حزينا بائساًَ فرأى أحمد ذلك وسأله مالذي جرى لك يا عم رمضان؟
فقال له العم رمضان: "يا أحمد أنت تعلم أن كل شيء فان إلا وجهه الكريم فقال أحمد: "ونعم بالله ولكن ماذا حدث"فأجاب العم رمضان وهو يبكي لقد توفيت خالتك يا أحمد وأحتضنه وبكيا.. وبعد أن إنتهي المأتم قال العم رمضان يا أحمد لم يعد لك أحد من أهلك ولكني أحس أنك مثل إبني فقال له أحمد وأنا كذلك يا عم رمضان أُحس أنك مثل أبي فقال العم رمضان إذا إسمع مني ما سأقوله لك يا بني.. عليك أن تعتمد على نفسك من الآن..فقال له أحمد وماذا أفعل فقال له عليك أن تعمل عملاً حلالاً لكي تكسب بعض المال فأنا قد أصبحت عجوزاً وقد لا أعيش طويلاً. فقال له أحمد ولكني لا أعرف أي عمل لأقوم به فقال له العم رمضان.. لقد كان رسول الله ‘ يعمل بالتجارة فما رأيك بهذا فقال أحمد ولكنني لا أملك المال لكي أعمل بالتجارة فقال له العم رمضان أنا سأعطيك بعض المال وتتوكل على الله وتخرج غداً لكي تبحث عن عمل.. وفي اليوم التالي خرج أحمد ومعه المال ولكنه لم يجد عملاً وتجول في شوارع المدينة يراقب الناس والسيارات والمباني الضخمة ويقول سبحان الله خالق كل شيء، وعاد في المساء إلى المسجد وبعد صلاة العشاء جلس في حيرة من أمره وكان الشيخ رمضان يجلس مع بعض أصدقائه يتكلمون عن أحوال المسلمين في البلاد وكان أحمد يجلس في آخر المسجد واضعاً ظهره على أحد أعمدة المسجد فسأل أحد الجالسين الشيخ رمضان ماذا جرى لأحمد لم نعهد منه هذا.. فقد كان أحمد محباً للناس يجالس الصغار والكبار فقال الشيخ إنه يبحث عن عمل لكي يكسب منه عيشه.. فقال الرجل: "لا حول ولا قوة إلا بالله صبي في مثل سنه كيف يفكر بمثل هذه الطريقة.. فقال العم رمضان وما أدراك أنت فقد كان يعمل وهو في الخامسة فتعجب الجميع من أمر أحمد فحكى لهم العم رمضان قصة أحمد منذ أن إلتقى به فتأثر الجالسون من هذه القصة وكيف أن أحمد يعيش طفولته تعيساً يعمل ويتعب وهو في هذه السن وأطفالهم يلعبون ويمرحون ويأخذون النقود من دون عمل ولا تعب ليشتروا الحلوى والألعاب وما تشتهيه الأنفس وإقترح أحد الجالسين أن يجمعوا المال لأحمد عسى ولعل أن يعوضوه عن ما فاته ولكن أحمد سمع حديثهم وقال لهم أنا لا أريد مال من أحد فأنا رجل وأستطيع أن أحصل على المال وخرج من المسجد وهو حزين وجلس تحت شجرة من أشجار المسجد فغفى وبعد أن إنتهى مجلس الشيخ خرج يبحث عن أحمد فوجده نائما تحت الشجرة وكان البرد قارساً فحمله الشيخ على كتفه وكان لهما غرفة في المسجد فحمله إليها وحين صلاة الفجر إستيقظ أحمد من النوم فوجد نفسه في الغرفة فخرج وتوضأ وصلى الفجر ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " أللهم يا خالق كل شيء إني قد رفعت أمري إليك وأنا راض بما قسمته لي لك الحمد وأنت على كل شيء قدير..
وخرج يبحث مرة ثانية عن عمل وكان يسير في الشوارع والأسواق وبينما هو يسير إذ رأى بعض الفتيان يبيعون المناديل الورقية لسائقي السيارات فتوجه إلى أحد الفتية وسأله هل هذا العمل مربح فقال له الصبي وقد كان أكبر منه هل تريد أن تعمل بائع للمناديل إنك صغير على هذا ولكن لا بأس سأخبرك بكل شيء إننا نشترى المناديل الورقية من المصانع المحلية ونبيعها ونجد بعض الربح ولكن عليك أن تحذر من السيارات فبعضها يكون سائقيها متهورين ففي الشهر الماضي مات أحد الباعة على هذا الطريق جراء حادث سيارة فقد كان أحد أبناء الأغنياء يقود سيارة بسرعة هائلة وفلتت منه وقتل ذاك الصبي..
ولكن أحمد لم يخف وقال له يا صديقي إن الأعمار بيد الله وكل نفس زائقة الموت ولكل أجل كتاب فقال له الصبي مالي أراك تتحدث مثل الكبار وأنت لا يزيد طولك عن الأرض إلا سنتيمترات فقال له أحمد هذا ما علمني له الشيخ رمضان فقال له الصبي ومن الشيخ رمضان هذا، فحكى له أحمد قصته وكان الصبي رغم فظاظته طيب القلب وتأثر لقصة أحمد وقال له سأساعدك لكي تحصل على المناديل الورقية فأنا أعرف صاحب المصنع فأبي يعمل في ذلك المصنع فأخذه وأشتريا المناديل الورقية وبعد عودتهما إلى الطريق حمل الصبي المناديل وبدأ يصيح مناديل ورقية مناديل ورقية إشتروا المناديل الورقية وتوقف فجأة وقال لأحمد مالي أراك صامتاً.! لكي تعمل يجب أن تصيح وكان أحمد لا يحب الصياح ولكنه كان مضطراً لذلك فبدأ يصيح مناديل ورقية إشتروا المناديل الورقية وفي المساء عاد أحمد بعد أن باع كل ما لديه من مناديل ورقية وأعطى المال للشيخ وقال له هذا ما أعطيتني من مال وهاذا الربح فقال الشيخ ماشاء الله يا أحمد ورفع الشيخ يديه إلى السماء وقال: "أللهم بارك له في عمله وارزقه وبارك له في ماله..
ومرت الأيام وأحمد يعمل في بيع المناديل الورقية وكان السائقين يشترون منه لأنه ذو خلق ومؤدب وكان يقابل الناس بإبتسامة ويوصيهم بأن لا يسرعوا فإن السرعة قاتلة وفي يوم من الأيام إجتمع الأولاد الذين كانوا يبيعون المناديل الورقية في تلك المنطقة وأتفقوا على أن يبعدوا أحمد من طريقهم لأنه يبيع أكثر منهم والناس يشترون منه ويتركونهم إلا أن صديقه حذرهم من ذلك وأخبرهم أن أحمد لا يضمر الحقد لأحد ولكن الأولاد ضربوا صديقه وقالوا له أنت أيضاً سنبعدك عن هذه المنطقة فعاد الصديق رغم جراحة التي سببها الأولاد بضربهم له باحثاً عن أحمد ليحذره إلا أن إحمد كان قد باع كل ما لديه من مناديل وعاد إلى المسجد فذهب صديقه وهو يتوكأ على عصا حتى وصل إلى المسجد وكان أحمد يقوم بسقاية الأشجار فسقط صديقه بالقرب من باب المسجد ولما رآه أحمد هرع إليه وسأله ماذا حدث؟ من فعل بك هذا؟ فقال له لقد جئت لكي أحذرك إن بقية الباعة قد إجتمعوا على إبعادك من طريقهم وإني أخشى أن يفعلوا بك كما فعلوا بي فقال أحمد أنا لا أخاف إلا الله وهو سوف يحميني منهم فأخذ صديقه إلى الشيخ وضمد جراحه وفي الصباح قال له الشيخ يا أحمد لا ترمي بنفسك إلى التهلكة فقال أحمد ياشيخ أنا لا أخاف منهم ولن أقابلهم بما فعلوه ولكني أسأل الله أن يهديهم وخرج إلى المصنع وإشترى المناديل الورقية وتوجه إلى الشارع وبعد وقت قليل أتى الفتية يحملون بإيديهم بعض العصي وأحاطوا به من كل الإتجاهات والشر يملأ عيونهم وبدأوا يدفعونه إلى بعضهم البعض وكانوا أكبر منه سناً وحجماً ولكنه كان يقول لهم إتقوا الله ماذا فعلت لكم لماذا تكرهونني إلى هذا الحد ولكنهم لم يكونو يستمعون إليه بل بدأوا يضربونه بالعصي التي كانوا يحملونها فرفع يديه إلى السماء وقال ياالله إغفر لهم فإني مسامحهم وكان يكرر كلامه ويرفع صوته كلما إشتد عليه الضرب وسال دمه على ذلك الطريق الاسفلتي وجرح جبينه وسال منه الدم حتى غطى عيناه ولكنه رغم ذلك كان يردد كلامه وإجتمع الناس من حوله ولكن أحداً لم يجرؤ على إنقاذه فقد كان الفتية يفوقون العشرة وكانوا قويين وبعد أن أشبعوه ضرباً سقط على الأرض وكان الدم يغطى كل جسمه ولكن أحد الأولاد ألقى عصاه وصاح توقفوا.. توقفوا كيف تضربون من يذكر الله وهو في هذه الحال..
كيف تضربون طفلاً والله ما عهدنا منه إلا أنه كان يتوقف عن البيع وقت الصلاة ليصلى على الرصيف الملتهب حتى يحترق جبينه ويداه والله إنا لن ننجوا بفعلتنا هذا فإن نجونا منها في الدنيا فلن ننجوا منها في الآخرة ثم أنكم لم تسمعوه وأنتم تضربونه وهو يسأل الله أن يغفر لكم إني بريء منكم يا أحمد هل تسمعني أرجوك أن تسامحني فإن الشيطان قد أعمى قلوبنا وزرع فيه الحقد والكره ولكن أحمد كان قد فقد الوعي فحمله ذلك الفتي إلى المشفي الذي كان قريباً من ذاك الطريق وكان أحمد وهو في تلك الحال من عدم الوعي يردد أللهم إنك خالق كل شيء خلقتني وإني في شوق لكي أراك وإجتمع الأولاد حول سريره بعد أن خرج الأطباء من غرفته وهم يتهامسون لبعضهم البعض وكان الأولاد يبكون ويطلبون من أحمد أن يسامحهم ولكنه لم يستيقظ ولفظ أنفاسه الأخيرة وهو يقول ألهم إنك خالق كل شيء خلقتني وأنا في شوق لكي أراك..
وفارق ذاك العبد الصالح الحياة ولسانه رطب بذكر الله. ودّع حياته التي عانى فيها الشقاء والبؤس والفقر وذهب إلى ربه فقد كان حلمه الوحيد أن يرى ربه.. ويتحقق الحلم.
10/6/2007
دار حروف لتطبيقات الحاسوب
بائع المناديل الورقية:
هو طفل في العاشرة من عمره يتيم الأم والأب ولدته أمه وماتت بعد أن كانت مريضة بداء الصدر ووالده أيضا مات بنفس المرض قبل أمه فوجد نفسه بين ذراعي خالته التي كانت تعمل ببيع الشاي في الأسواق فتربي في الشوارع، كان يعمل منذ أن بلغ الخامسة من عمره كان هزيل الجسم مبعثر الشعر رث الثياب حافي القدمين ولكنه رغم كل هذه الظروف المحيطة به كان طيب القلب يحب فعل الخير ومساعدة الناس بدون مقابل مع أنه كان أحوج الناس إلى المال...
كان الأطفال في مثل سنه يلعبون ويمرحون ويستمتعون بطفولتهم بينما كان هو يعمل أعمالاً أكبر من سنه وطاقته، رغم انشغاله بالعمل إلا أنه كان في بعض الأحيان يتوقف ليشاهد الأطفال وهم يلعبون فيتوقف عن العمل فكانت خالته توبخه وتصفه بالكسول المتهرب من العمل إلا أنه كان يحبها رغم قسوتها فهو لم يعرف أماً سواها.. كان هناك رجل عجوز يتردد على خالته ويعطيها بعض المال وكان هو يراقب هذا المشهد من حين لآخر.
ذات يوم بلغ به فضوله إلى أن سأل خالته: "من هذا الرجل الذي يعطيك النقود من حين لآخر؟"
إلا أن خالته لم تكن تجيبه ولكنه كان يكرر أسئلته مراراً وتكراراً فضجرت منه خالته وقالت له:هذا هو العم رمضان"
فسألها "ومن يكون العم رمضان هذا"
فقالت: " إنه إمام المسجد"فقال: ماذا يعنى إمام المسجد هل هو بائع الخبز..!!فضحكت خالته وكانت قليلة الضحك " لا ليس بائع الخبز، إنه الشيخ الذي يصلي بالناس"فقال لها في دهشة أنا لم أذهب إلى المسجد من قبل.. لماذا ؟
فقالت له: ما زلت صغيراً للذهاب إلى المسجد" وكان في الخامسة من عمره. ومرت الأيام وعاد العم رمضان ليعطى الخالة النقود فلما رآه أسرع إليه وقال له:
"مرحباً يا عم رمضان" فقال العم رمضان: وعليكم السلام ورحمة الله..
ما إسمك يا بني، قال أسمي أحمد ولكن الآخرين ينادونني بريشة لأنني هزيل وخفيف الوزن"فضحك العم رمضان وسأله ماذا تفعل؟
فقال له أنا أعمل في السوق.فتعجب العم رمضان كيف يعمل طفل في مثل سنه..فسأل الخالة كيف يعمل وهو في هذا السن فقالت الخالة كما تعلم أنا أعمل ببيع الشاي وإبن أختي هذا يعمل معي يجمع الكؤوس بعد إنتهاء الناس من شرب الشاي و يغسلها لنملأها من جديد..فقال العم يا سبحان الله... فقال ريشة ماذا قلت يا عم رمضان فقال له قلت يا سبحان الله
فقال ريشة ماذا يعني هذا يا عم رمضان فقال له: أنت صغير على معرفة هذا يا أحمد
فسأله ريشة ماذا تعمل أنت، فقال له أنا أصلى بالناس في المسجد وأجمع الصدقات من الأغنياء وأوزعها على الفقراء فقال ريشة وما هي الصدقات يا عم رمضان فقال الصدقات هي أموال يخرجها الأغنياء وغير الأغنياء الذين يخافون الله فقال ريشة ومن هو الله يا عم رمضان فسكت عم رمضان برهة ثم قال له الله هو خالق كل شيء وهو الذي يحي ويميت ويهب الأرزاق.. فقال ريشة في تعجب وأين هو الله؟ فقال له إنه في السماء يا أحمد.. فقال له أنا أريد أن أراه..فقال العم رمضان ولكننا لا نراه هو الذي يرانا ويسمعنا..
فرفع ريشة رأسه إلى السماء وصاح يا الله إنى أحبك لأنك خلقتني ولأنك خلقت العم رمضان إنه رجل طيب وأنا أريد أن أكون مثله أجمع الصدقات من الأغنياء وأوزعها على الفقراء..
فقال له العم رمضان هل تحب الله يا أحمد؟ فأجاب نعم
فقال له إذا عليك أن تصلى ولا تكذب أو تسرق وأن لا تفعل ما حرم الله لكي تراه..فقال ريشة هل سأرى الله يا عم رمضان؟
فقال العم رمضان نعم إذا فعلت ما قلته لك..قال ريشة ولكن كيف..؟
قال العم رمضان: " المؤمنون يرون الله يوم القيامة بعد أن يدخلوا الجنة"
فقال ريشة وما هي الجنة يا عم رمضان؟
فأجاب: الجنة هي أجمل شيء في هذا الكون ولا يدخلها إلا المؤمنون..فقال ريشة أريد أن أكون من المؤمنين.. فالتفت العم رمضان إلى الخالة وقال لها سآخذ أحمد معي إلى المسجد. فقالت الخالة ولكن من سيساعدني في عملي..!!فقال لها العم رمضان سآخذه معي وسأعطيك مقابل هذا مبلغاً من المال لتستعينين به ففرحت الخالة وقالت له إذاً فلا مشكلة لدي..وقال العم رمضان لريشة هل تريد الذهاب معي فقال ريشة نعم يا عم رمضان..
فأخذه العم رمضان إلى المسجد وكان يحفظه القرآن ويعلمه الآداب والأخلاق الحميدة وكان ريشة يقوم بتنظيف المسجد ورعاية الأشجار بداخله حتى بلغ العاشرة من عمره..وذات يوم بعد أن عاد العم رمضان من جولاته التي كان يوزع فيها الصدقات كان وجهه حزينا بائساًَ فرأى أحمد ذلك وسأله مالذي جرى لك يا عم رمضان؟
فقال له العم رمضان: "يا أحمد أنت تعلم أن كل شيء فان إلا وجهه الكريم فقال أحمد: "ونعم بالله ولكن ماذا حدث"فأجاب العم رمضان وهو يبكي لقد توفيت خالتك يا أحمد وأحتضنه وبكيا.. وبعد أن إنتهي المأتم قال العم رمضان يا أحمد لم يعد لك أحد من أهلك ولكني أحس أنك مثل إبني فقال له أحمد وأنا كذلك يا عم رمضان أُحس أنك مثل أبي فقال العم رمضان إذا إسمع مني ما سأقوله لك يا بني.. عليك أن تعتمد على نفسك من الآن..فقال له أحمد وماذا أفعل فقال له عليك أن تعمل عملاً حلالاً لكي تكسب بعض المال فأنا قد أصبحت عجوزاً وقد لا أعيش طويلاً. فقال له أحمد ولكني لا أعرف أي عمل لأقوم به فقال له العم رمضان.. لقد كان رسول الله ‘ يعمل بالتجارة فما رأيك بهذا فقال أحمد ولكنني لا أملك المال لكي أعمل بالتجارة فقال له العم رمضان أنا سأعطيك بعض المال وتتوكل على الله وتخرج غداً لكي تبحث عن عمل.. وفي اليوم التالي خرج أحمد ومعه المال ولكنه لم يجد عملاً وتجول في شوارع المدينة يراقب الناس والسيارات والمباني الضخمة ويقول سبحان الله خالق كل شيء، وعاد في المساء إلى المسجد وبعد صلاة العشاء جلس في حيرة من أمره وكان الشيخ رمضان يجلس مع بعض أصدقائه يتكلمون عن أحوال المسلمين في البلاد وكان أحمد يجلس في آخر المسجد واضعاً ظهره على أحد أعمدة المسجد فسأل أحد الجالسين الشيخ رمضان ماذا جرى لأحمد لم نعهد منه هذا.. فقد كان أحمد محباً للناس يجالس الصغار والكبار فقال الشيخ إنه يبحث عن عمل لكي يكسب منه عيشه.. فقال الرجل: "لا حول ولا قوة إلا بالله صبي في مثل سنه كيف يفكر بمثل هذه الطريقة.. فقال العم رمضان وما أدراك أنت فقد كان يعمل وهو في الخامسة فتعجب الجميع من أمر أحمد فحكى لهم العم رمضان قصة أحمد منذ أن إلتقى به فتأثر الجالسون من هذه القصة وكيف أن أحمد يعيش طفولته تعيساً يعمل ويتعب وهو في هذه السن وأطفالهم يلعبون ويمرحون ويأخذون النقود من دون عمل ولا تعب ليشتروا الحلوى والألعاب وما تشتهيه الأنفس وإقترح أحد الجالسين أن يجمعوا المال لأحمد عسى ولعل أن يعوضوه عن ما فاته ولكن أحمد سمع حديثهم وقال لهم أنا لا أريد مال من أحد فأنا رجل وأستطيع أن أحصل على المال وخرج من المسجد وهو حزين وجلس تحت شجرة من أشجار المسجد فغفى وبعد أن إنتهى مجلس الشيخ خرج يبحث عن أحمد فوجده نائما تحت الشجرة وكان البرد قارساً فحمله الشيخ على كتفه وكان لهما غرفة في المسجد فحمله إليها وحين صلاة الفجر إستيقظ أحمد من النوم فوجد نفسه في الغرفة فخرج وتوضأ وصلى الفجر ثم رفع يديه إلى السماء وقال: " أللهم يا خالق كل شيء إني قد رفعت أمري إليك وأنا راض بما قسمته لي لك الحمد وأنت على كل شيء قدير..
وخرج يبحث مرة ثانية عن عمل وكان يسير في الشوارع والأسواق وبينما هو يسير إذ رأى بعض الفتيان يبيعون المناديل الورقية لسائقي السيارات فتوجه إلى أحد الفتية وسأله هل هذا العمل مربح فقال له الصبي وقد كان أكبر منه هل تريد أن تعمل بائع للمناديل إنك صغير على هذا ولكن لا بأس سأخبرك بكل شيء إننا نشترى المناديل الورقية من المصانع المحلية ونبيعها ونجد بعض الربح ولكن عليك أن تحذر من السيارات فبعضها يكون سائقيها متهورين ففي الشهر الماضي مات أحد الباعة على هذا الطريق جراء حادث سيارة فقد كان أحد أبناء الأغنياء يقود سيارة بسرعة هائلة وفلتت منه وقتل ذاك الصبي..
ولكن أحمد لم يخف وقال له يا صديقي إن الأعمار بيد الله وكل نفس زائقة الموت ولكل أجل كتاب فقال له الصبي مالي أراك تتحدث مثل الكبار وأنت لا يزيد طولك عن الأرض إلا سنتيمترات فقال له أحمد هذا ما علمني له الشيخ رمضان فقال له الصبي ومن الشيخ رمضان هذا، فحكى له أحمد قصته وكان الصبي رغم فظاظته طيب القلب وتأثر لقصة أحمد وقال له سأساعدك لكي تحصل على المناديل الورقية فأنا أعرف صاحب المصنع فأبي يعمل في ذلك المصنع فأخذه وأشتريا المناديل الورقية وبعد عودتهما إلى الطريق حمل الصبي المناديل وبدأ يصيح مناديل ورقية مناديل ورقية إشتروا المناديل الورقية وتوقف فجأة وقال لأحمد مالي أراك صامتاً.! لكي تعمل يجب أن تصيح وكان أحمد لا يحب الصياح ولكنه كان مضطراً لذلك فبدأ يصيح مناديل ورقية إشتروا المناديل الورقية وفي المساء عاد أحمد بعد أن باع كل ما لديه من مناديل ورقية وأعطى المال للشيخ وقال له هذا ما أعطيتني من مال وهاذا الربح فقال الشيخ ماشاء الله يا أحمد ورفع الشيخ يديه إلى السماء وقال: "أللهم بارك له في عمله وارزقه وبارك له في ماله..
ومرت الأيام وأحمد يعمل في بيع المناديل الورقية وكان السائقين يشترون منه لأنه ذو خلق ومؤدب وكان يقابل الناس بإبتسامة ويوصيهم بأن لا يسرعوا فإن السرعة قاتلة وفي يوم من الأيام إجتمع الأولاد الذين كانوا يبيعون المناديل الورقية في تلك المنطقة وأتفقوا على أن يبعدوا أحمد من طريقهم لأنه يبيع أكثر منهم والناس يشترون منه ويتركونهم إلا أن صديقه حذرهم من ذلك وأخبرهم أن أحمد لا يضمر الحقد لأحد ولكن الأولاد ضربوا صديقه وقالوا له أنت أيضاً سنبعدك عن هذه المنطقة فعاد الصديق رغم جراحة التي سببها الأولاد بضربهم له باحثاً عن أحمد ليحذره إلا أن إحمد كان قد باع كل ما لديه من مناديل وعاد إلى المسجد فذهب صديقه وهو يتوكأ على عصا حتى وصل إلى المسجد وكان أحمد يقوم بسقاية الأشجار فسقط صديقه بالقرب من باب المسجد ولما رآه أحمد هرع إليه وسأله ماذا حدث؟ من فعل بك هذا؟ فقال له لقد جئت لكي أحذرك إن بقية الباعة قد إجتمعوا على إبعادك من طريقهم وإني أخشى أن يفعلوا بك كما فعلوا بي فقال أحمد أنا لا أخاف إلا الله وهو سوف يحميني منهم فأخذ صديقه إلى الشيخ وضمد جراحه وفي الصباح قال له الشيخ يا أحمد لا ترمي بنفسك إلى التهلكة فقال أحمد ياشيخ أنا لا أخاف منهم ولن أقابلهم بما فعلوه ولكني أسأل الله أن يهديهم وخرج إلى المصنع وإشترى المناديل الورقية وتوجه إلى الشارع وبعد وقت قليل أتى الفتية يحملون بإيديهم بعض العصي وأحاطوا به من كل الإتجاهات والشر يملأ عيونهم وبدأوا يدفعونه إلى بعضهم البعض وكانوا أكبر منه سناً وحجماً ولكنه كان يقول لهم إتقوا الله ماذا فعلت لكم لماذا تكرهونني إلى هذا الحد ولكنهم لم يكونو يستمعون إليه بل بدأوا يضربونه بالعصي التي كانوا يحملونها فرفع يديه إلى السماء وقال ياالله إغفر لهم فإني مسامحهم وكان يكرر كلامه ويرفع صوته كلما إشتد عليه الضرب وسال دمه على ذلك الطريق الاسفلتي وجرح جبينه وسال منه الدم حتى غطى عيناه ولكنه رغم ذلك كان يردد كلامه وإجتمع الناس من حوله ولكن أحداً لم يجرؤ على إنقاذه فقد كان الفتية يفوقون العشرة وكانوا قويين وبعد أن أشبعوه ضرباً سقط على الأرض وكان الدم يغطى كل جسمه ولكن أحد الأولاد ألقى عصاه وصاح توقفوا.. توقفوا كيف تضربون من يذكر الله وهو في هذه الحال..
كيف تضربون طفلاً والله ما عهدنا منه إلا أنه كان يتوقف عن البيع وقت الصلاة ليصلى على الرصيف الملتهب حتى يحترق جبينه ويداه والله إنا لن ننجوا بفعلتنا هذا فإن نجونا منها في الدنيا فلن ننجوا منها في الآخرة ثم أنكم لم تسمعوه وأنتم تضربونه وهو يسأل الله أن يغفر لكم إني بريء منكم يا أحمد هل تسمعني أرجوك أن تسامحني فإن الشيطان قد أعمى قلوبنا وزرع فيه الحقد والكره ولكن أحمد كان قد فقد الوعي فحمله ذلك الفتي إلى المشفي الذي كان قريباً من ذاك الطريق وكان أحمد وهو في تلك الحال من عدم الوعي يردد أللهم إنك خالق كل شيء خلقتني وإني في شوق لكي أراك وإجتمع الأولاد حول سريره بعد أن خرج الأطباء من غرفته وهم يتهامسون لبعضهم البعض وكان الأولاد يبكون ويطلبون من أحمد أن يسامحهم ولكنه لم يستيقظ ولفظ أنفاسه الأخيرة وهو يقول ألهم إنك خالق كل شيء خلقتني وأنا في شوق لكي أراك..
وفارق ذاك العبد الصالح الحياة ولسانه رطب بذكر الله. ودّع حياته التي عانى فيها الشقاء والبؤس والفقر وذهب إلى ربه فقد كان حلمه الوحيد أن يرى ربه.. ويتحقق الحلم.
النــــــــــــــــهـــــــــــــايــــــــــــــــــة
10/6/2007
دار حروف لتطبيقات الحاسوب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق